لم أكن أعتزم ذلك الآن، لكن بعض الكلمات ألحّت أن تخرج ولم يكن بدّ أن أدعها تخرج.

بعد هذا العمر.. ثمّة أشياء كثيرة تجمّعت.. على صعيدين: الأول هو حصيلة المهنة التي وضعت فيها شطراً من عمري، ولعلي أبدأ قريباً بموقع تعليميّ هو "مدرسة الجراحة". أما الثاني وهو الأهم فهو حصيلة هذا العمر من علم تعلمته وعمل عملته وحياة عشتها بحلوها ومرّها ودروسها الباهظة الثمن، فخرج من كل ذلك أعمال ورؤى وكتابات. منها أعمال طويلة أنفقت فيها سنين ولا مفرّ من أن تأخذ حقّها من العمل حتى تكتمل، وأخرى قصيرة، لكنها قد لا تخلو من نفع. هي نظرات من تجارِب هذا العمر؛ حصيلة السنين الطويلة، وركام حوادث الحياة، الكبيرة منها والصغيرة، ونتاج فكر، وزفرات قلب.

لم ينشرح قلبي أن أخرجها فيما مضى، فآثرت أن أبقيها حتى تنضج أكثر، ويحين وقتها.. عندما يأذن الله.

ولما ألحّت الكلمات أن تخرج رأيت أن أفتح لها في هذا الشهر المبارك هذه النافذة الصغيرة: "كلمات صغيرة".

وأستميح العذر صاحب "كل يوم كلمة صغيرة" *، الذي كانت كلماته كبيرة وليست صغيرة كما سمّاها، وأستأذنه أن تتسمّى هذه الكلمات الصغيرة حقاً "كلمات صغيرة". ليس تشبيهاً لهذه بتلك، فأين الثرى من الثريّا، لكنه تشبّهٌ ومحاولة للاقتداء.

وبالله التوفيق.

*"كل يوم كلمة صغيرة" كانت زاوية يوميّة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في جريدة "النصر" في دمشق في أواخر الأربعينيات، ثم في جريدة "الأيام" بعد ذلك. واستمرّ يكتبها سنين طويلة فتجمّعت منها مئات المقالات، نشرت مجموعة منها في كتابه "مقالات في كلمات" الذي صدر عام 1959م وأعيدت طباعته، ونشرت مجموعة أخرى بعد وفاته رحمه الله.