مساحة مؤمن بن مأمون ديرانيةكلمات صغيرة |
|
|
بين يدي هذه الكلماتأُعدّت هذه الكلمات لتنشر في منتصف رمضان الماضي 1429هـ وقدّر الله أن يتأخر نشرها |
ربما كان الذي جعل هذه الكلمات تتعجّل بالخروج أمران رأيتهما في مطلع هذا الشهر المبارك، الأمر الأول أني عندما جئت أراجع قوائم البريد قبل إرسال تهنئة رمضان، وجدتني أحذف اسمين عزيزين من قائمة الأصدقاء، وبالتحديد من قائمة الظهران، أحدهما للأخ الحبيب الدكتور محمد أبو الحسن رحمه الله، الرجل الصالح -نحسبه كذلك ولا نزكّي على الله أحداً- الذي كان يصلّي فينا إماماً في شهر رمضان الماضي في مصلّى الدور الثاني في المستشفى، وتوفّاه الله هذا العام بعد معاناة من مرض لم يمهله طويلاً، والآخر لأخينا فهد القرزعي رحمه الله، الذي كنا نراه كلّ يوم في خدمات المرضى يروح ويجيء بين أقسام المستشفى في حركة لا تهدأ، وقد توفّاه الله قبل شهور معدودة في حادث أليم. عليهما رحمة الله، وليرحمنا الله إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. فحدَّثتني نفسي: من الذي يدري ما يفعل الله به حتى رمضان القادم؟ وما يُدريني متى يأتي الوقت الذي يحذف فيه اسمي كثيرون من قوائم بريدهم؟ لا يهمّ يومها كلّ هذه الصحف في الأرض، ولا ينفع يومها إلاّ تلك الصحف في السماء، ولا يبقى لنا يومئذٍ إلاّ ما قدّمنا من عمل. أمّا الأمر الآخر فهو ما بعثه لي أحد الأصدقاء في البريد الإلكتروني عن المحاضرة المسمّاة "المحاضرة الأخيرة" لأستاذ جامعيّ أمريكي ألقى محاضرة الوداع قبيل موته بعد علمه أن مرضه لن يمهله طويلاً. ومع أن التراث الإنساني فيه ما هو أبلغ منها، وتراثنا الإسلامي فيه ما هو أعظم منها، لكنها هزّتني كثيراً وأنا أسمع وأرى الرجل على موقع "يوتيوب" يتحدّث عن الموت الذي ينتظره ويحدّث الناس عن كيفية تحقيق أحلام طفولتهم، وكان قد مات فعلاً قبل عدة شهور من سماعي له، وهو يقول أنه يتحدّث لأولاده الصغار ليسمعوه بعد أن يكبروا. اليوم ينتصف شهر رمضان وقد بدأ بالأمس، والعمر قد يمضي في غفلة منا كما مضى النصف الأول من شهرنا هذا. فلعلّ في هذه الكلمات من منفعة. أبو عبيدة الخامس عشر من رمضان المبارك عام 1429 هـ، الموافق 15 أيلول 2008 م وبعد.. فهذا ما كتبته في الخامس عشر من رمضان الذي مضى.. ثم قدّر الله ما زادني إحساساً بما قد قلت، ما هو أشدّ ألماً وأكبر أثراً، رحيل خالتي يمان في حادث أليم بعد شهر من تلك الكلمات.. وكما قلت يومها: "بفقدها اليوم فقدت جزأً من عمري الذي مضى، وأحسست بالموت أكثر من أي وقت مضى. وأجدني أحسّ، مع حرقة القلب، بلفح رياح الموت وهي تأخذ أحدنا وتترك بقيتنا إلى حين، إلى أجل محدود إذا جاء وقته ليس لأحد أن يتأخر عنه." رحمها الله وأنزلها منزلاً مباركاً عند مليك مقتدر. ويرحمنا الله برحمته ويحسن لنا الخاتمة. ... ومن ثمّ ازدادت الكلمات تعجّلاً.. |